إن الباحث في سنة المصطفى ليجد أنها تحفل بالمبادئ التربوية العظيمة التي تتناول جوانب العملية التربوية التعليمية المختلفة بشكل يثير الدهشة ويبعث على الإعجاب. ومن تلك المبادئ استخدامه لكل وسيلة بصرية أو سمعية ممكنة، من شأنها أن تساعد على زيادة الفهم، أو تأكيد المعنى وتجسيد المفهومات المجردة، وتحقيق الهدف المتوخى من الموقف التعليمي.
ولعله من المـهم أن يـضــع الــباحث في اعتــباره، وهــو يبحث في استخدام الرسول للوسـائل التعليمية في تعليم أصحابه رضي الله عنهم، الحقائق الآتية:
أ- أن البيئة في عهده لم تكن لتساعد على توفير الكثير من وسائل التعليم.
ب- أن الرسول أمي لا يقرأ ولا يكتب.
ج- أن الصحابة رضي الله عنهم أميون في معظمهم.
د- أن الوسائل التي ستتناولها هذه الدراسة إنما هي على سبيل التمثيل لا الحصر، حيث إن كتب السنة تزخر بعدد وافر منها.
هـ- أن العبـــرة في هذا الصــدد ليس بعـــدد الوســائل التي استعان بها الرسول في عملية التعليم، وإنما بتقرير المبدأ والفكرة، حيث إن الرسول مشــرع، ويكفي استخدامه وسائل التعليم لمرة واحدة، ليـــكون في ذلك أســــوة وهديًا للمربين في كل العصور(1 ).
والحق أنني قبل تناول هذا الموضوع بالدراسة كنت أعرف أن النبي قد استخدم بعض الوسائل التعليمية في تعليم أصحابه رضــي الله عنهم، غيـــر أني مــا كنت أتصــور أنــها بهذه الكثـــرة ولا بهذا التنوع في طبيعتها وفي المواقف التعليمية التي وظفت فيها. ولا شك أن مزيدًا من البحث والتنقيب في كتب السنة النبوية المشرفة، سيقود إلى مزيد من المعرفة والاستفادة من أساليبه التربوية العظيمة، ولا غرو فهو المربي والمعلم الأول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ومن خلال اطلاعٍ محدودٍ على بعض كتب السنة المطهرة، وجدت أن الرسول قد استخدم الوسائل الآتية في تعليم أصحابه:
- الإشارة بالأصابع.
- الإشارة باليد الواحدة.
- الإشارة باليدين.
- استخدام الحصى.
- استخدام العصا.
- الرسم على الأرض.
- العروض أو التوضيحات العملية.
- المجسمات أو الدمى.
- استخدام الأشياء الحقيقية.
أولاً: الإشارة بالأصابع:
ورد في أحاديث كثيرة أن الرسول استخدم أصابعه عند تعليمه أصحابه رضي الله عنهم في إشارات تعليمية هادفة، فتارة يستخدم إصبعًا واحدًا، وتارة أخرى يستخدم إصبعين، وثالثة يستخدم ثلاث أصابع، وحينًا يشير بأربع، وحينًا آخر يستخدم أصابعه الخمس. وفي كل مرة تحقق إشارته هدفًا تعليميًا من زيادة وضوح معنى، إلى إثارة انتباه، إلى ترسيخ فكرة. ومن تلك الأحاديث ما يلي:
1- قال رسول الله: (والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثلُ ما يجعلُ أحدكم إصبعه هذه (وأشار يحيى بالسبابة ) في اليم فلينظر بم ترجع ) (1 ). ويحيى أحد الراوة، و(اليم ) هو البحر.
ففي هذا الحديث نجد أن الرسول يستخدم وسيلة الإشارة الحسية التي يرتبط فيها المفهوم المجرد بشيء ملموس وهو هنا إصبع. ولا شك أن ذلك أشد وقعــًا في نفوس الحاضرين من مجرد القول: إن الدنيا لا تساوي شيئًا بالنسبة للآخرة.
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي قال: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو ) وضم أصابعه(2 ).
( جاريتين ) بنتين.
(عال جاريتين ) قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما.
إن هذه الحركة منه، أبلغ في إيصال المعنى المقصود إلى أذهان الحاضرين من مجرد القول: إن من عال بنتين حتى تبلغا يكون قريبًا مني يوم القيامة.
3- عن سهل بن سعد الســاعدي رضـي اللـه عـنــه، عن الرسول أنه قال:
( بعثت أنا والساعة كهذه من هذه; أو كهاتين ) (وقرن بين السبابة والوسطى ) (1 ).
فإشارته بإصبعيه لبيان قرب مبعثه من قيام الساعة لها من الوضوح والوقع والثبات في الأذهان أشد من القول: بعثت قرب الساعة.
4- ومثله حديث البخاري وغيره: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا )، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئًا (2 ). حيث إن الإشارة بالسبابة والوسطى والتفريج بينهما قليلاً تحدد المفهوم المقصود شرحه بأبلغ مما تفيده عبارة تقريرية مثل: كافل اليتيم يكون قريبًا من النبي في الجنة. (كافل اليتيم ) القائم بأموره.
5- عن أبي عثمان قال: كتب إلينا عمر ونحن بأذربيجان أن النبي نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، وصفَّ لنا النبي إصبعَيْه، ورفع زهير -أحد الرواة - الوسطى والسبابة(1 ).
ففي هذا الحديث نجد أن التوضيح العملي من قبل النبي للمقدار المباح من الحرير للرجال، بأن صفّ إصبعيه أمام المتعلمين، يساعد على بقاء أثر التعلم لديهم بأقوى من اللفظ المجرد عن هذه الوسيلة.
6- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله قال: ( من مسح رأس يتيم أو يتيمة لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين ) وقرن بين إصبعيه (2 ).
7- عن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله: ( أنا وامرأةٌ سَفْعَاءَ الخدين كهاتين يوم القيامة -وجمع بين إصبعيه السبابة والوسطى - امرأة ذات منصب وجمال آمت من زوجها، حبست نفسها على أيتامها حتى بانوا أو ماتوا ) (1 ).
( سفعاء الخدين ): قال في الصحاح: سفعته النار والسَّموم، إذا لفحته لفحًا يسيرًا فغيرت لون البشرة. والسفعة في الوجه سواد في خدي المرأة الشاحبة (2 ). وقال الشيخ البنا: أراد أنها بذلت نفسها وتركت الزينة والترفه، حتى تغير لونها وأسود لما تكابده من المشقة والضنك إقامة على ولدها بعد وفاة زوجها، ولم يرد أنها كانت من أصل الخلقة كذلك، لقوله: ( امرأة ذات منصب وجمال ).. ( آمت ) أي صارات أيِّمًا لا زوج لها.. ( بانوا ) أي استقلوا بأمرهم لكبرهم وانفصلوا عنها، أو ماتوا (3 ).
8- عن مجيبة الباهلية عن أبيها، أو عمها، أنه أتى رسول الله ، ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله أما تعرفني ؟
قال: ومن أنت ؟
قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول.
قال: فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة ؟
قال: ما أكلت طعامًا منذ فارقتك إلا بليل.
فقال رسول الله: لم عذبت نفسك ؟
ثم قال: صم شهر الصبر ويومًا من كل شهر.
قال: زدني فإن بي قوة.
قال: صم يومين.
قال: زدني.
قال: صم ثلاثة أيام.
قال: زدني.
قال: صم من الحُرُم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، وقال بأصابعه الثلاث فضمها ثم أرسلها.
( شهر الصبر) هو شهر رمضان(1 ).
9- عــن البــراء بن عازب قـال: سمــعت رســول الله وأشار بأصابعه -وأصابعي أقصر من أصابع رسول الله - يشير بإصبعه يقول: (لا يجوز من الضحايا: العوراء البين عَوَرُها، والعرجاء البين عرجــها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تَنْقِي ).
( العجفاء ) المهزولة.
( التي لا تنقي ) أي التي لا نقي لها، أي لا مخ لها لضعفها وهزالها (2 ).
10- أخرج مسلم أن رجلاً أتى النبي فقال: يا رسول الله كيف أقول حين أسأل ربي ؟
قال: (قل اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني -ويجمع أصابعه إلا الإبهام- فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك ) (1 ).
11- عن بشيـر بن أبي مســعود رضــي اللـه عنه أنه سمع رسول الله يقول:
(نزل جبريل فأمني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ) ( يحسب بأصابعه خمس صلوات ) (2 ).
12- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي قال: (ليس فيما دون خمسةَ أَوْسُقٍ صدقة، ولا فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة، ولا فيما دون خمس أَوَاقٍ صدقة ).
وعن يحيى بن عُمارة قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله يقول: وأشار النبي بكفه بخمس أصابعه، ثم ذكر بمثل حديث ابن عيينة -أحد الرواة - السابق (3 ).
( أوسق ) جمع وسق وهو ستون صاعًا. والصاع أربعة أمداد، والمُدُ مكيال، وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز. (خمس ذَوْد ) خمس من الأبل.
13- عن أنس بن مالك رضي الله عنه ( أن رسول الله جمع أصابعه فوضعها على الأرض ثم قال: هذا ابن آدم. ثم رفعها خلف ذلك قليلاً، وقال: هذا أجله; ثم رمى بيده أمامه وقال: وثم أمله ) (1 ).
14- وإذا كنا رأينا الرسول في الأحاديث السابقة يستخدم أصابعه الشريفة، فإنه قد يستخدم أحيانًا أصابع المتعلم لتوضيح المعنى المراد، فقد أخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ( من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يُعـلِّم من يعمل بــهن )؟ فقال أبو هريرة: فقـلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي، فعد خمسًا وقال:
( اتق المحارم تكن أعبد الناس.. وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.. وأحسـن إلى جارك تكن مــؤمنًا.. وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا.. ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب ) (1 ).
ثانيًا: الإشارة بالأصابع مثل القبة:
15- عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: أتى رسول الله أعرابي فقال: يا رسول الله، جهدت الأنفس، وضاعت العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك.. قال رسول الله: ويحك أتدري ما تقول ؟ وسبح رسول الله، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه. ثم قال: ويحك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك، أتدري ما الله ؟ إن عرشه على سمواته لهكذا (وقال بأصابعه مثل القبة عليه ) وأنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب ) (2 ).
( ليئط ) أي يُصوِّت. (أطيط الرحل ) أي كصوته.
ثالثًا: الإشارة بالأصابع على شكل حلقة:
16- عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن رسول الله دخل عليها يومًا فزعًا يقول:
( لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ( وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها ).. قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث ) (1 ). ( ردم ) سد. ( الخبث ) الفسوق والفجور والمعاصي.
17- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنت في حلقة من الأنصار، إن بعضنا ليستتر ببعض من العري، وقارئ لنا يقرأ علينا، فنحن نسمع إلى كتاب الله، إذ وقف علينا رسول الله ، وقعد فينا ليعد نفسه معهم، فكف القارئ، فقال : ما كنتم تقولون ؟ فقلنا: يا رسول الله كان قارئ لنا يقرأ علينا كتاب الله، فقال رسول الله بيده وحلّق بها، يومئ إليهم أن تحلقوا، فاستدارت الحلقة... ) (2 ). ( يومئ ) يشير.
رابعًا: التشبيك بين الأصابع:
استخدم الرسول التشبيك بين أصابعه الشريفة للكناية عن القوة والتماسك حينًا، وللتداخل بين شيئين حينًا آخر، وللاختلاط والاختلاف حينًا ثالثًا، ومن ذلك الأحاديث الآتية:
18- عن أبي موسى رضى الله عنه عن النبي قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه )(1 ).
19- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله قال: ( كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي، يغربل الناس فيه غربلة، تبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا، وكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه ) (2 ).
( يغربل الناس ) أي يذهب خيارهم ويبقى أرذالهم.
(تبقى حثالة من الناس ) أي أرذالهم.
( قد مرجت ) أي اختلطت وفسدت.
20- عن جابر رضي الله عنه أن الرسول قال: ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة. فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد ? فشبك رسول الله أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: دخلت العمرة في الحج (مرتين )، لا بل لأبد أبد ) (1 ).
خامسًا: الإشارة باليد:
21- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى النــبي فيســمع من النـــبي الحديــث فيعـجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبي فقال: يا رسول الله إني أسمع منك الحديث فيعجبني ولا أحفظه، فقال رسول الله: (استعن بيمينك ) وأومأ بيده للخط (2 ).
22- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ( ألا أخبركم بخير دور الأنصار ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: بنو النجار، ثم الذين يلونهم بنو عبد الأشهل، ثم الذين يلونهم بنو عبد الحارث بن الخــزرج، ثم الذيــن يلونهم بنــو سـاعــدة
( ثم قال بيده فقبض أصابعه ثم بسطهن كالرامي بيده ) ثم قال: وفي كل دور الأنصار خير ) (1 ).
23- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي أنه قال: (يقبـض العلـم ويـظـهر الجـهـل والفـتـن، ويكـثر الهرج، قيـل: يـا رسول الله وما الهرج؟ فقال: هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل ) (2 ).
نجد في هذا الحديث الشريف كيف أن الرسول، لم يقدم للسائل عن معنى الهرج إجابة شفوية، بل اكتفى بحركة من يده الشريفة بما يعني القتل، وفيها ما يغني ويفيد.
24- عـــن ابـــن أبي أوفـى رضـــي اللــه عـنـه قــال: ( كــنا مـــع رسـول الله في سفر، فلما غابت الشمس قال لرجل: انزل فاجدح لنا، فقال: يا رسول الله لو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: إن علينا نهارًا.. فنزل فجدح له فشرب، ثم قال: إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا ( وأشار بيده نحو المشرق ) فقد أفطر الصائم )(1 ).
( جدح ) هو خلط الشيء بغيره، والمراد هنا خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوي.
25- عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: ( أشار النبي بيده نحو اليمن، فقال: ألا إن الإيمان ههنا، وإن القسوة وغلظ القلوب في الفَدَّادِين، عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر ).
( الفدادين ) جمع فدّاد، وهم الذين تعلو أصواتهم في إبلهم وخيلهم وحروثهم ونحو ذلك (2 ).
26- عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يشير بيده نحو المشرق ويقول: (ها إن الفتنة ههنا، ها إن الفتنة ههنا ( ثلاثًا ) حيث يطلع قرنا الشيطان ) (1 ).
27- قال يُسير بن عمرو: (قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت النبي يقول في الخوارج شيئًا؟ قال: سمعته يقول -وأهـــوى بيــده قِبَــل العـراق - يخرج منـــه قــوم يقـرأون القـرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرّميّة ) (2 ).
( تراقيـهم ) جـمع ترقـوة، وهي عظـم أعـلى الصـدر، والمراد أنه لا يصل إلى قلوبهم.
28- عـن كعـب بن مـالك رضـي اللـه عنـه، أنه كــان له على عبد الله بن أبي حَدْرَد الأسلمي رضي الله عنه مال، فلقيه فلَزِمَه، حتى ارتفعت أصواتُهما، فمر بهما النبي فقال: يا كعب -فأشار بيده كأنه يقول النصفَ - فأَخَذَ نصفَ ما له عليه وترك نصفًا (3 ).
29- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ، ذكر يوم الجمعة فقال: (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه ). زاد قتيبة في روايته: وأشار بيده يقللها (1 ).
30- عــن أبـي ذر رضــي الله عــنه قــال: ( كنـت أمشي مــع النبي في حرة المدينة، فاستقبلنا أُحُد، فقال: يا أبا ذر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبًا، تمضي عليّ ثالثة وعندي منه دينار، إلا شيئًا أرصده لدَيْنٍ، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا -عن يمينه وعن شماله ومن خلفه - ثم مشى، ثم قال: إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا -عن يمينه وعن شماله ومن خلفه - وقليل ما هم ) (2 ).
( أرصده لدين ) أحفظه وأعده لوفاء دين مستحق عليّ.
إن هذا الحديث الشريف تضمن -إلى جانب استخدام اليد كوسيلة تعليمية - مبدأ مهمًا من المبادئ التربوية النبوية، ألا وهو مبـدأ توظيــف الأحداث الجارية في التعليم. فقول الرسول لأبي ذر رضي الله عنه وهو يعلمه الزهد في الدنيا: (ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبًا.. ) حال مشاهدتهما لجبل أحد، لا شك أنه أشد وقعًا، وأبقى أثرًا، وأقوى إثارة لانتباهه، عما لو كان بعيدًا عنه. وقديمًا قيل: ما جاء في وقته وقر. وكلنا يعلم أن أبا ذر رضي الله عنه أصبح من أشد الناس زهدًا في الدنيا، وإعراضًا عن زخارفها.
31- كما ورد أن الرسول وضع يده على رأس المخاطب للـدلالـة على القـرب الشـديد. فـقد أخــرج أبو داود عن عبد الله ابن حَوَالة الأزدي رضي الله عنه أنه قال: ( بعثنا رسول الله لنَغْنَم على أقدامنا، فرجعنا فلم نغنم شيئًا، وعرف الجهد في وجوهنا، فقال: اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليـهم -ثم وضــع يـده على رأســي، أو قــال على هامتي- ثم قال: يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المُقَدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك )(1).
سادساً: الإشارة باليدين:
ورد في الحديث الشريف أن النبي استخدم يديه الشريفتين في شرح بعض المعاني التعليمية المجردة للصحابة رضي الله عنهم، فحيناً يستخدمها للكناية عن إفاضة الماء على الرأس، وللتفريق بين الفجر الصادق والفجر الكاذب حينًا آخر، كما يشير بهما إلى الجهة تارة، وللدلالة على عدد أيام الشهر تارة أخرى. ومن ذلك الأحاديث الشريفة الآتية:
32- أخرج البخاري في كتاب الغـسل عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثًا، وأشار بيديه كلتيهما ) (1 ). أي أشار أنه يأخذ الماء بكفيه معًا.
33- عن أنس بن مالك رضــي الله عنــه قــال: (صلى لنا النبي ثم رقى المنبر -فأشار بيديه قِبَل قِبْلةِ المسجد - ثم قال: لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار مُمثلتين في قبلة هذ الجدار، فلم أر كاليوم في الخير والشر ) ( ثلاثًا ) (2).
34- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ذكر رمضان فضرب بيديه فقال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا ( ثم عقد إبهامه في الثالثة )، فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ) (1 ).
قال النووي: وفي هذا الحديث جواز اعتماد الإشارة المفهمة في مثل هذا (2 ).
35- عن عائشة رضي الله عنها قالت: أقسم رسول الله أن لا يـدخــل على نســائــه شــهرًا، فمكث تسعة وعشرين يومًا، حــتى إذا كـان مسـاء ثلاثـين دخـل علي، فقـلت: إنك أقـسمت أن لا تدخل علينا شهرًا، فقال: شهر هكذا ( ويرسل أصابعه فيها ثلاث مرات ) وشهر هكذا ( وأرسل أصابعه كلها وأمسك إصبعًا واحدًا في الثالثة ) (3 ).
36- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (لا يمنعن أحدًا منكم أذان بلال -أو قال: نداء بلال - من سحوره، فإنه يؤذن بليل -أو قال: ينادي بليل - ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم، وقال: ليس أن يقول هكذا وهكذا -وصوب يده ورفعها - حتى يقول هكذا
( وفرج بين إصبَعَيْه ).
وفي رواية: (إن الفجر ليس الذي يقول هكذا ( وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض )، ولكن الذي يقول هكذا (ووضع المُسَبِّحَة عى المُسَبِّحَة ومد يديه ). وفي رواية: لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض -لعمود الصبح - حتى يستطير هكذا ).
وفي رواية: لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير هكذا. وحكاه حماد -أحد الرواة - بيديه قال: يعني معترضًا (1 ). ( يستطير ) أي ينتشر ضوؤه ويعترض في الأفق.
قال النووي: (في هذه الأحاديث بيان الفجر الذي تتعلق به الأحكام، وهو الفجر الثاني الصادق، وفيها أيضًا الإيضاح في البيان والإشارة لزيادة البيان في التعليم، والله أعلم )(1 ).
سابعًا: الإشارة إلى السمع والبصر:
37- عن سليم بن جبير مولى أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهــلها } إلى قــوله تعـــالى: { سميعًا بصيرًا }. قال: رأيت رسول الله يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه .
قال أبو هريرة: رأيت رسول الله يقرأها ويضع إصبَعَيْه ) (2 ).
ثامنًا: الإشارة إلى الوجه والكفين:
38- عن عائشة رضي الله عنها، أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله وقال:
( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه ) (1 ).
تاسعًا: الإشارة إلى الأنف:
39- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ( أمــرت أن أسجــد على سبعة أعـظـم، الجبهة (وأشــار بيده على أنفه ) واليدين والرجلين وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب ولا الشعر ) (2 ).
( نكفت ) الكفت الجمع والضم.
عاشرًا: الإشارة إلى الفم:
40- عن المقداد بن الأســود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ( تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل ).
قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري ما يعني بالميل؟ أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين .
قال: ( فيكون الناس على قدر أعمالهم في العَرَق، فمنهم من يكون إلى كعبيه; ومنهم من يكون إلى ركبتيه; ومنهم من يكون إلى حَقْويه; ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا.
قال: وأشار رسول الله بيده إلى فيه ) (1 ).
( الحَقْو ) الخَصْر.
41- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضى، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك إلى رسول الله، (فأومأ بإصبعه إلى فيه ) فقال:
(اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق ) (2 ).
حادي عشر: الإشارة إلى الصدر:
42- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ( إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، ) ( وأشار بأصابعه إلى صدره ) (1 ).
43- وعنــه أيضــًا قال: قــال رسول الله: ( لا تحاسدوا; ولا تناجشوا; ولا تباغضوا; ولا تدابروا; ولا يبع بعضكم على بيـع بعض، وكـونـوا عبـاد اللـــه إخـوانـًا. المسلم أخـو المـسـلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ههنا ( ويشير إلى صدره ثلاث مرات )، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه ).
( التقوى ههنا ) معناه أن الأعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى، إنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله وخشيته ومراقبته (2 ).
ويعلق القرضاوي على هذا الحديث بقوله: ( فهذه الإشــارة إلى الصدر في بيان حقيــقة التقــوى ومحلـها، أبلــغ كثــيرًا من قوله: ( التقـــوى محلها القـلب )، فهذه كلمة قد تمر على الكثيرين دون أن يلقــوا لها سمـعــًا، أو يلقـــون سمعًا ولا يحضرون مع السمع قلبًا ) (1 ).
44- وعن أنس رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله يقول: الإسلام علانية، والإيمــان في القلب، قال: ( ثم يشـــير بيده إلى صدره ثلاث مرات )، قال: ثم يقول: التقوى ههنا، التقوى ههنا ) (2 ).
45- وبالإضافة إلى إشارته إلى صدره، ورد في السنة أنه كان يشير إلى صدر المخاطب أحيانًا، فعن وابصة بن معبد قال: أتيــت رســول الله وأنـا أريـد أن لا أدع شيـئــًا من البـر والإثــم إلا سألته عنه، وإذا عنده جمع فذهبت أتخطى الناس.
فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول الله ، إليك يا وابصة .
فقلت: أنا وابصة، دعوني أدنو منه فإنه من أحب الناس إلي أن أدنو منه، فقال لي: ادن يا وابصة، أدن يا وابصة، فدنوت منه حتى مست ركبتي ركبته فقال: يا وابصة أخبرك ما جئت تسألني عنه، أو تسألني، فقلت: يا رسول الله فأخبرني، قال: جئت تسألني عن البر والإثم، قلت: نعم، ( فجمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري ) ويقول: يا وابصة استفتِ نفسَك، البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس، قال سفيان: وأفتوك )(1 ).
ثاني عشر: الإشارة إلى الحلق:
46- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ( مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جُبّتان من حديد من لدن ثدييهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق شيئًا إلا مادَّت على جلده حتى تُجِنّ بنانه وتعفو أثرَه، وأما البخيل فلا يريد ينفق إلا لَزِمَت كلُ حَلْقَةٍ موضعها فهو يُوسعها ولا تَتسع، ) (ويشير بإصبعه إلى حلقه ) (2 ). ( مادت ) تمددت.
( تجن ) تستر.
( يشير بإصبعه إلى حلقه ) مبينًا كيف أنها تتضيق على عنقه بحيث يكاد يختنق. وفي رواية أخرى عند البخاري ( جُنَّتان ) بدل ( جُبّتان ) (1 ).
( جُنتان ) درعان.
47- عن بسر بن جحاش القرشي قال: بزق النبي في كفه، ثم وضع إصبعه السبابة وقال: ( يقول الله عز وجل: أنى تعجزني ابن آدم، وقد خلقتك من مثل هذه! فإذا بلغت نفسُك هذه ( وأشار إلى حَلْقِه ) قلتَ: أتصدق، وأنى أوانُ الصدقة )(2 ).
ثالث عشر: الإشارة إلى اللسان:
48- عن عبد الله بن عــمر رضــي الله عنهما قــال: قــال رسول الله : ( إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا ( وأشار إلى لسانه ) أو يرحم، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) (3 ).
49- عـــــن معــاذ رضي اللـــــه عنـــه قال: قــــال رسول الله: رأس الأمر الإســلام، وعمـــوده الصلاة، وذروة سنــامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت: بلى يا نبي الله ( فأخذ بلسانه ) وقال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب النــاس في النار على وجوههم -أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم )؟
قال الترمذي: حديث صحيح (1 ).
وقال المباركفوري: وإنما أخذ عليه الصلاة والسلام بلسانه وأشار إليه من غير اكتفاء بالقول تنبيهًا على أن أمر اللسان صعب (2).
50- عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: ( قلت: يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به، قال: قل ربي الله ثم استقم، قلت: يا رسول الله ما أكثر ما تخاف عليّ؟ فأخذ رسول الله بلسان نفسه، ثم قال: هذا ) (1 ).
ولا شك أن هذه الإشارة الحسية إلى اللسان تجعل الذين حضروا هذه المواقف التعليمية يدركون خطر اللسان وعواقبه الوخيمة على الإنسان في الدنيا والآخرة بأكثر من ذكر اللسان ذكرًا مجردًا عنها. كما أن هذه الإشارة تساعد على بقاء هذه الخبرة التربوية مدة أطول.
رابع عشر: استخدام الحصى:
51- عن بريدة رضي الله عنه قال: ( قال النبي: هل تدرون ما هذه وهذه؟ ورمى بحصاتين. قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذاك الأمل، وهذاك الأجل ) (2 ).
52- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله ( أخذ ثلاث حصيات، فوضع واحدة، ثم وضع أخرى بين يديه، ورمى بالثالثة )، فقال: هذا ابن آدم، وهذا أجله، وذاك أمله ( التي رمي بها ) (1 ).
53- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (دخلت على رسول الله # في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: ( فأخذ كفًا من حصباء فضرب به الأرض )، ثم قال: هو مسجدكم هذا ) ( لمسجد المدينة ).
قال النووي في شرح هذا الحديث: ( وأما أخذه الحصباء وضربه في الأرض، فالمراد به المبالغة في الإيضاح لبيان أنه مسجد المدينة. والحصباء بالمد الحصى الصغار )(2 ).
54- عن حذيفة رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله حديثين قد رأيت أحدهما وأنا انتظر الآخر. حدثنا أن الأمانة نزلت في جَذْر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعَلِمُوا من القرآن وعَلِمُوا من السنة. ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوَكْت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل المَجْل، كَجَمرٍدحرَجْتَه على رجلك، فَنَفِط فتراه مُنْتَبِرًا وليس فيه شيء ( ثم أخذ حصى فدحرجه على رِجْله ) فيصبحُ الناسُ يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أمينًا. حتى يقال للرجل: ما أَجْلَده، ما أظرفه، ما أعقله، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ) (1 ).
( الوَكْت ) الأثر اليسير. ( المَجْل ) التنفط الذي يصير في اليد من العمل بفأس أو نحوها.
( منتبرًا ) مرتفعًا.
قال الإمام النووي: وأخذ الحصاة ودحرجته إياها، أراد بها زيادة البيان وإيضاح المذكور والله أعلم (2 ).
خامس عشر: استخدام العصا:
55- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي: (غرز بين يديه غرزًا، ثم غرز إلى جنبه آخر، ثم غرز الثالث فأبعده )، ثم قال: هل تدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا الإنسان، وهذا أجله، وهذا أمله، يتعاطى الأملَ والأجلُ يختلجه دون ذلك )(1 ).
سادس عشر: الرسم على الأرض:
ورد في السنة المطهرة أن الرسول لجأ في بعض المواقف التعليمية إلى استخدام الرسم في تعليم أصحابه رضي الله عنهم لتوضيح بعض المعاني المجردة لهم.. وهذه وسيلة تعليـمية ناجحة، إذ من المسلمات لدى التربويين في الوقت الراهن أنه كلما زاد عدد الحواس التي تشترك في الموقف التعليمي، زادت فرص الإدراك والفهم، كما أن المتعلم يحتفظ بأثر التعليم فترة أطول. وفي هذا الصدد يقول الصباغ: (أما الرسم فإنه أسلوب تعليمي يجلو الأمر ويوضحه أتم توضيح، وإنه لمستوى رفيع في التوجيه والإبلاغ أن يكون الرسم أداة في قوم أميين ) (2 ).
56- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خط رسول الله في الأرض أربعة خطوط )، قال: تدرون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله: أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم -امرأة فرعون - ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين ) (1 ).
قال الشيخ أبو غدة معلقًا على هذا الحديث: (لم أر من بين المعنى الذي أراده رسول الله من خطه لتلك الخطوط الأربعة، وهو يبين أفضلية هؤلاء النسوة الأربع. والظاهر عندي -والله أعلم - أن المعنى من ذلك توكيد أفضلية هؤلاء النسوة الأربع على سائر نساء أهل الجنة، فيكون إعلام ذلك حاصلاً عن طريق السماع للقول من فمه ، والمشاهدة لخطه بيده، فيكون آكد مايكون البيان في حصر الأفضلية فيهن، والله أعلم ) (2 ).
57- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( خط النبي خطًا مربعًا وخط خطًا في الوسط خارجًا منه، وخط خططًا -وفي رواية في فتح الباري خطوطًا - صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوســـط، فقال: هذا الإنــسان، وهذا أجله محـــيط به -أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا ) (1 ).
( الأعـــراض ) الآفات التي تعـــرض لــه من مرض وشغل وآخرها الموت.
( نهشه ) أصابه، والنهش أخذ الشيء بمقدم الأسنان.
58- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( خط رسول الله خطًا بيـــده، ثم قال: هـــذا سبيل الله مستقيــمًا، قال: ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: هـذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: {وأن هذا صراطي مستقيما فأتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ( الأنعام:153 ) (2 ).
يعلق القرضاوي على هذا الحديث بقوله: ( فترى في هذا الحديث أن النبي يفسر لأصحابه الوصية الأخيرة من الوصايا العشر في سورة الأنعام، ولكنه لم يقتصر على تفسيرها بالكلام المجرد، بل استعمل لذلك ما هو ميسور له وهو الرمل، يخط عليه بيده بدل اللوح، وهو هنا يرسم صراط الله المذكور في الآية الكريمة في صورة خط مستقيم، ولهذا قال:
( هذا سبيل الله مستقيمًا ). ويرسم السبل الأخرى التي حذرت الآية من اتباعها في صورة خطوط متعرجة، عن يمين الخط الأوسط المستقيم وشماله، ثم يشير إليها قائلاً: (هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ). ثم يختم هذا التوضيح العملي بقراءة الآية الكريمة، فتقع أعظم موقع في نفس السامع المشاهد وعقله. فهنا اشتراك البصر مع السمع في استيعاب معنى الآىة، وفهم مراد الله تعالى منها ) (1 ).
سابع عشر: العروض أوالتوضيحات العملية:
هناك بعض الأعمال والمهارات الحركية التي تحتاج إلى تدريب عملي عليها لإتقانها على الوجه المطلوب، ولا يكفي فيها الشرح النظري، وهو ما أعنيه بالعروض أو التوضيحات العملية.
ولذلك نجد أن الرسول يقوم بتوضيح بعض الأعمال والشعائر توضيحًا عمليًا، وذلك مثل البيان العملي لأوقات الصلاة لمن سأل عنها، وقوله عقب ذلك: (وقت صلاتكم بين ما رأيتم ).
وقيامه بالوضوء أمام الصحابة، ثم قوله: (من توضأ وضوئي هذا... ).
وكذلك أداؤه الصلاة على المنبر، وقوله معللاً ذلك: ( يا أيها الناس، إني صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي ).
وكقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري: (صلوا كما رأيتموني أصلي ).
وكقوله وهو يؤدي مناسك الحج: ( لتأخذوا مناسككم ). ونحو ذلك من المهـارات الحركية التي أداها أمام الصحابة رضي الله عنهم، والتي ستتجلى في سياق الأحاديث الآتية:
أ- التوضيح العملي لأوقات الصلاة:
فيما يتعلق بأوقات الصلاة، جاء قول الحق تبارك وتعالى: { إن الصلاة كانت المؤمنين كتابًا موقوتًا } (النساء:103 )، قال الإمام الشوكاني في تفسير هذه الآية: ( أي محدودًا معينًا، والمعنى: أن الله افترض على عباده الصلوات، وكتبها عليهم في أوقـاتها المحـدودة، لا يجــوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي ) (1 ). ولذلك حرص المسلمون على معرفة أوقات الصلوات من الرسول الذي قام بتوضيحها لهم توضيحًا عمليًا، كما جاء في الأحاديث الآتية:
59- عن عطاء بن يسار رضي الله عنه أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله ، فسأله عن وقت صلاة الصبح.
قال: فسكت عنه رسول الله ، حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر، ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر، ثم قال: ( أيـن السـائل عــن وقــت الصـلاة ؟ قـال: هـأنـذا يــا رسول الله، فقال: ما بين هذين وقت ). ( أسفر ) انكشف وأضاء (2 ).
60- روى مسلم عن بريدة رضي الله عنه عن النــبي، ( أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة، فقال له: صل معنا هذين -يعني اليومين - فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر. فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر فأبرد بها ( الإبراد هو الدخول في البرد )، فَأَنْعَم أن يُبرد بها. وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرّها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها ( أي أدخلها في وقت إسفار الصبح، أي انكشافه وإضاءته ). ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: وقت صلاتكم بين ما رأيتم ) (1 ).
فههنا نجد أن الرسول لم يقدم للسائل عن وقت الصلاة إجابة شفوية، بل أحاله على الخبرة المباشرة التي هي أعلى مستويات التعليم كما هو معــلوم، حيث أمره بالصلاة معه لمدة يومين، وذلك ليتمكن من فهم وإدراك أوقات الصلاة عبر الممارسة الفعلية، وقد كان.
وفي هذا الصدد يقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث: (فيه بيان أن للصلاة وقت فضيلة ووقت اختيار; وفيه أن وقت المغرب ممتد; وفيه البيان بالفعل فإنه أبلغ في الإيضاح، والفعل تعم فائدته السائل وغيره; وفيه تأخير البيان إلى وقت الحاجة، وهو مذهب جمهور الأصوليين ) (1 ).
ويُلاحظ أن الرسول قد اتبع مع هذا السائل الوسيلة ذاتها التي اتبعها معه جبريلُ عليه السلام، أي وسيلة التوضيح العملي لأوقات الصلاة، وهو ما يتضح من خلال الحديث التالي:
61- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: ( أمّني جبريل عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثلَ الشراك; ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله; ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم; ثم صلى العشاء حين غاب الشفق; ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحَرُمَ الطعام على الصائم. وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله، لوقت العصر بالأمس; ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه; ثم صلى المغرب لوقته الأول; ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل; ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض. ثم التفت إليّ جبريلُ فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت بين هذين الوقتين ) (1 ).
( الفيء ) ظل الشمس بعد الزوال.
( وجبت الشمس ) غابت.
ب- التوضيح العملي لكيفية الوضوء:
لما كان الوضوء من المهارات الحركية التي لا يكفي فيها الشرح النظري، بل تحتاج لإتقانها إلى توضيح عملي، فقد حرص الرسول المعلم على أن يبين للصحابة الكرام رضوان الله عليهم كيفيته الكاملة بيانًا عمليًا، ونقله عنه هنا عثمان رضي الله عنه بالطريقة نفسها، كما يتضح من الحديث الآتي:
62- روى مسلم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه، دعا بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاث مرات; ثم مضمض واستنثر; ثم غسل وجهه ثلاث مرات; ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات; ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك; ثم مسح رأسه; ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات; ثم غسل اليسرى مثل ذلك ثم قال: رأيت رسول الله توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله: (من توضـأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين، لا يحدّث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدم من ذنبه ).
قال ابن شهاب: وكان علمــاؤنا يقــولـون: هذا الوضـوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة (1 ). ( استنثر ) الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق.
63- كما أخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: ( إن رجلاً أتى النبي فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعاء بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثًا; ثم غسل وجهه ثلاثًا; ثم غسل ذراعيه ثلاثًا; ثم مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه; ثم غسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم ) ( أو ظلم وأساء ) (1 ).
جـ- التوضيح العملي لكيفية الصلاة:
ولما كانت الصلاة أيضًا من المهارات الحركية التي لا يكفي لأدائها على الوجه الصحيح الشرح النظري، فقد حرص الرسول المعلم على توضيحها توضيحًا عمليًا وهو على المنبر ذي الثلاث درجات، في صورة عجيبة من صور التعليم، تتجلى في الحديث الآتي:
64- أخرج البخاري عن أبي حازم قال: سألوا سهل بن سعد رضي الله عنه: من أي شيء المنبر ؟ فقال: ما بقي بالناس أعلم مني، هو من أثل الغابة، عمله فلان مولى فلانة، لرسول الله، وقام عليه رسول الله حين عُمل ووضع، فاستقبل القبلة، كبر وقام الناس خلفه، فقرأ وركع وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى، فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر، ثم ركع، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى، حتى سجد بالأرض، فهذا شأنه (1 ).
وفي رواية لمسلم: ... ولقد رأيت رسول الله ، قام عليه وكبر الناس وراءه، وهو على المنبر، ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس، فقال: ( يا أيها الناس إني صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي ) (2 ).
(من أي شيء المنبر ) أي من أي عود صنع ؟
( لتعلموا ) لتتعلموا.
ولأهمية الجانب العملي في تعلم الصلاة، أمر رسول الله أمته بأن تفعل كفعله في هذه الفريضة العظيمة، كما يتضح من الحديث الآتي:
65- أخرج البخاري أن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: ( أتينا إلى النبي ، ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة، وكان رسول الله رحيمًا رفيقًا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا، أو قد اشتقنا، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم -وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها- وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمَّكم أكبركم ) (1).
( شببة متقاربون ) شباب متقاربون في السن.
ففي هذا الحديث نجد أن هذه المجموعة من الشباب المتقاربين في السن، قد تركوا أهلهم وحضروا إلى المدينة المنورة لتعلم شرائع الإسلام على يدي الرسول المعلم فيما يشبه الدورة التدريبية، وقد قال لهم الرسول في ختام وصاياه وتوجيهاته لهم (وهو يودعهم ):
(صلوا كما رأيتموني أصلي )، تأكيدًا لأهمية الصلاة من ناحية، ولفتًا لأنظارهم للتركيز على القدوة العملية فيها من ناحية أخرى.
ومن الجدير بالتأمل والملاحظة هنا أن الرسول كما علم أصحابه الصلاة بطريقة عملية، فقد تلقاها هو أيضًا بطريقة عملية، حيث أمّه جبريل عليه السلام وصلى به الصلوات الخمس، ومما ورد في ذلك:
66- أخرج مسلم عن بشير بن أبي مسعود رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول:
نزل جبريل، فأمّني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه ( يحسب بأصابعه خمس صلوات ).
وفي روايــة: (أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله ، ثم صلى فصلى رســــول الله، ثم صــلى فصلى رسول الله، ثم صلى فصــلى رســـول الله ثم صــلى فصلى رسول الله، ثم قال: بهذا أمرت ).
قال النووي: قوله: ( إن جبريل نزل فصلى فصلى رسول الله ) وكرره هكذا خمس مرات، معناه: أنه كلما فعل جزءًا من أجزاء الصلاة فعله النبي بعده، حتى تكاملت صلاته ) (1 ).
د- التوضيح العملي لمناسك الحج:
عندما عزم رسول الله على الحج أعلن ذلك في الناس، ليأتي من استطاع منهم للحج معه، ليأخذوا مناسك الحج عنه عن طريق القدوة العملية.
وفي ذلك أخـرج الإمـام مسلم (عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله مكث تسع سنين لم يحج. ثم أذن في الناس في العاشرة، أن رسول الله حاج. فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله ، ويعمل مثل عمله ).
قال النووي: (قوله: ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله حاج، معناه: أعلمهم بذلك وأشاعه بينهم ليتأهبوا للحج معه، ويتعلموا المناسك والأحكام، ويشهدوا أقواله وأفعاله، ويوصيهم ليبلغ الشـاهد الغائب، وتشيع دعوة الإسلام، وتبلغ الرسالة القريب والبعيد ) (1 ). وبالفعل حج عدد كبير من الناس. وأمرهم رسول الله أن يقتدوا بفعله:
67- أخرج مسلم عن أبي الزبير، أنه سمع جابرًا رضي الله عنه يقول: رأيت النبي يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: ( لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ).
قال النووي: قوله ( لتأخذوا مناسككم )، فهذه اللام لام الأمر، ومعناه: خذوا مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم، فخذوها عني واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس. وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله في الصلاة: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )(1 ).
هـ- درس عملي في الاعتماد على النفس ومكافحة المسألة:
68- عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبي يسأله، فقال: ( لك في بيتك شيء؟ قال: بلى، حِلْسٌ نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقدح نشرب فيه الماء، قال: ائتني بهما، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله بيده، ثم قال: من يشتري هذين ؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: من يزيد على درهم ؟ ( مرتين أو ثلاثًا)، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، فأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قَدومًا، فأتني به، ففعل. فأخذه رسول الله ، فشدَّ فيه عوداً بيده، وقال: اذهب فاحتطب ولا أراك خمسةَ عشر يومًا، فجعل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فقال: اشتر ببعضها طعامًا وببعضها ثوبًا، ثم قال: هذا خير لك من أن تجيء والمسألة نكتة في وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا لِذِي فقرٍ مُدْقِع، أو لذي غُرْمٍ مُفْظِع، أو دمٍ موجِع ) (1 ).
( الحِلْس ) ما يُبسط في البيت تحت حُرّ المتاع.
( القَدُوم ) آلة للنجر والنحت.
( نكتة ) بقعة سوداء.
قال الخطابي: ( فقر مدقع ) هو الفقر الشديد.
( والغرم المُفْظِع ) هو أن تلزمه الديون الفظيعة الفادحة.
( والدم الموجِع ) هو الدية الباهظة تلزمه، أو أن يتحمل حمالة في حقن الدماء وإصلاح ذات البين، فتحل له المسألة (1 ).
في هذا الحديث الشريف يتجلى أمامنا موقف تعليمي رائع، فالرسول كان بإمكانه أن يمنح السائل شيئًا من ماله، أو يندب الصحابة إلى إعطائه ما يسد حاجته ذلك اليوم أو بضعة أيام. غير أنه أراد أن يلقن ذلك السائل القادر على الكسب والحاضرين جميعًا درسًا عمليًا في الاعتماد على النفس، وذم المسألة وبيان عواقبها الوخيمة على الإنسان في الدنيا والآخرة.
لقد تولى رسول الله بنفسه بيع ممتلكات السائل الزهيدة، في مزاد علني، ثم أمره أن يشتري بدرهم طعامًا لأهله وبالآخر قدومًا. وقد حرص عليه الصلاة والسلام على أن يشد في القدوم عودًا بيده الشريفة، إظهارًا لأهمية الموقف وجدية الأمر وشرف العمل، ثم أمره أن يحتطب ويتكسب من بيع الحطب.
وبعد ذلك جاءت التوجيهات النبوية المبينة للحالات التي تجوز فيها المسألة، وذلك بعد حل مشكلة السائل الملحة، لتكون تلك التوجيهات خاتمة موفقة لهذا الدرس العملي البليغ الذي استمر خمسة عشر يومًا. إنه موقف تعليمي لا يمكن أن ينساه السائل وكل من حضره. هذا إلى جانب كونه ضربًا من التدريب المهني لهذا الشاب العاطل عن العمل، ليغدو فردًا نافعًا لنفسه وأهله ومجتمعه.
و- درس عملي في إظهار عجز الأصنام ومهانتها:
69- عن عبد الله بـن مسعــود رضي الله عنه قال: دخل النبي مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبًا، فجعل يطعنها بعود في يده، وجعل يقول: { جاء الحق وزهق الباطل }... إلخ الآية(1 ).
( نصبًا ) صنمًا.
وههنا نجد أن عملية الطعن بالعود لهذه الأصنام هو درس عملي تضمن تحقيرًا لشأنها، وإظهارًا لمهانتها، وإثباتًا لعجزها عن أن تدفع الضرر عن نفسها بما هو أوقع في نفوس الحاضرين وهم ألوف من مجرد القول إنها لا تنفع ولا تضر.
ز- صورة من صور التدريب المهني:
70- أخرج ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله مر بغلام يسلخ شاة، فقال له رسول الله: ( تنح حتى أريك، فأدخل رسول الله يديه بين الجلد واللحم، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط ، وقال: يا غلام هكذا فاسلخ، ثم مضى وصلى للناس ولم يتوضأ ) (1 ).
( الدحس ) هو إدخال اليد بين جلد الشاة ولحمها.
إن هذا الحديث الشريف إلى جانب كونه برهاناً على اعتماد الرسول على التوضيح العملي في تعليم أصحابه رضي الله عنهم المسائل التي تتطلب ذلك، فإنه يمثل أيضًا لونًا من ألوان التدريب المهني لهذا الشاب المسلم ومن شارك في ذلك الموقف التعليمي، ويتضمن توجيهًا نبويًا للأمة المسلمة في كل العصور للعناية بتدريب أبنائها على المهن التي تتطلبها حاجات المجتمع المسلم.
م- دروس عملية في موضوعات شتى:
71- جاء في حديث الثلاثة الذين تكلموا في المهد، الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة: ( ... وكانت امرأة ترضع ابنًا لها من بني اسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فتـرك ثديــها وأقـبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه. قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي يمص إصبعه.. ) (1 ).
( ذو شارة ) صاحب هيئةٍ وملبس حسن.
72- أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله في قريب من ثمانين رجلاً من قريش، ليس فيهم إلا قرشي، لا والله ما رأيت صفحة وجوه رجال قط أحسن من وجوههم يومئذ. فذكروا النساء فتحـدثوا فيهن، فتحدث معهم حتى أحببت أن يسكت، ثم أتيته فتشهد ثم قال: ( أما بعد يا معشر قريش فإنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله تعالى، فإذا عصيتموه بعث إليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب )، لقضيب في يده، ثم لحا قضيبه فإذا هو أبيض يَصْلِد (1 ).
قال الشيخ البنا: يقال لحوت الشجرة ولحيتها والتحيتها إذا أخذت لحاءها وهو قشرها، ويَصْلِد: أي يَبْرُق (2 ).
ثامن عشر: المجسمات (الدمى):
73- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي، وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله إذا دخل يتقمَّعْن منه، فيُسرِّبُهُنّ إلي فيلعبن معي (3 ).
( يتقمعن منه ) يدخلن البيت ويستترن منه. وفي رواية ( ينقمعن ).
( فيسرِّبهُن إليّ ) يرسلهن واحدة بعد الأخرى.
يقول الحافظ بن حجر: (واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن. وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن ) (1 ).
وما أشار إليه الحافظ بن حجر يرحمه الله في تعليله لجواز بيع اللعب للبنات، يعد من أحدث الاتجاهات التربوية في الوقت الراهن، وأعني به التعلم عن طريق اللعب، حيث أجريت بحوث كثيرة حول أهمية وأثر الألعاب التربوية في تعليم الطلبة. وأظهرت هذه البحوث أن الألعاب التربوية وسائل تعليمية فعالة وقوية التأثير في تغيير سلوك المتعلم واتجاهه، وذلك باكتسابه معارف ومهارات دقيقة يواجهها في واقع حياته العملية، ومن ثم في اتجاهه نحو الهيئات والوسائل التي يتفاعل معها(2 ).
ومن أهم فوائد الألعاب التربوية أنها تعمل على إشراك المتعلم إيجابيًا في عملية التعلم، أكثرمن أية وسيلة أخرى مشابهة، لأنه يستخدم قدراته في أثناء اللعب. ولذلك تعتبر الألعاب التربوية وسائل فعالة لقياس اتجاهات المتعلمين وتنميتها وتعزيزها(1 ).
74- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( قدم رسول الله من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سَهْوَتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لُعَبٍ، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي. ورأي بينهن فرسًا له جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه ؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة! قالت: فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه )(2 ).
( السهوة ) كالصفة تكون بين يدي البيت، وقيل شبيهة بالرف والطاق يوضع فيه الشيء.
( ناحية الستر ) طرفه.
( نواجذه ) أي أواخر أسنانه.
تاسع عشر: استخدام الأشياء الحقيقية:
جاء في جملة من الأحاديث الشريفة أن الرسول استخدم الأشياء الحقيقية في تعليم أصحابه مثل الحرير والذهب والوبر ونحوها. ومن المسلم به تربويًا أن التعليم باستخدام الأشياء الحقيقية أشد وضوحًا وأبقى من التعليم اللفظي المجرد.
ومن ذلك الأحاديث الآتية:
75- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: خرج إلينا رسول الله ، وفي إحدى يديه ثوب من حرير، وفي الأخرى ذهب، فقال: ( إن هذين محرمٌ على ذكور أمتي حلٌ لإناثهم ) (1 ).
ولا شك أن رفع الرسول للحرير والذهب في يديه الشريفتين، أقوى بيانًا، وأعمق أثرًا من القول: إن الذهب والحرير محرمان.
76- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم، ثم تناول شيئًا من البعير، فأخذ منه قَـرَدَة، يعني وَبَـرة، فجعل بين إصبعيه، ثم قال: ( يا أيها الناس، إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط فما فوق ذلك فما دون ذلك، فإن الغُلُول عارٌ على أهله يوم القيامة وشنار ونار )(1 ).
فههنا نجد أن الرسول أراد أن يبين للمسلمين شناعة الغلول من الغنائم، مهما كان الشيء المغلول تافهًا. غير أنه لم يكتف بالكلام وحده، بل لجأ إلى استخدام الأشياء الحقيقية وسيلة لتوضيح المقصود، فأخذ بين إصبعيه وبرة من جلد البعير، مبلغًا إياهم أن ذلك -رغم تفاهته - معدود من الغنائم. ولا شك أن ذلك أشد وضوحًا، وأجلى بلاغًا من الكلام وحده.
77- ومـثـلــه الحـــديث الـذي أخـرجه النسائي عـــن عبد الله ابن عمرو أن رسول الله أتى بعيرًا فأخذ من سنامه وبرة بين إصبعيه، ثم قال: ( إنه ليس لي من الفيء ولا هذه، إلا الخمس، والخمس مردود فيكم ) (2 ).
78- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله مر بالسوق داخلاً من بعض العالية، والناس كَنَفَتَه، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذه بأذنه، ثم قال: (أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيًا كان عيبًا فيه لأنه أسك، فكيف وهو ميت فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ) (1 ).
( كَنَفَتَه ) وفي بعض النسخ ( كنفتيه ) يعني الأول جانبه، والثاني جانبيه.
( جدي أسك ) أي صغير الأذنين.
ويعلق القرضاوي على هذا الحديث بقوله: ( فانظر يا أخي القارئ كيف بيَّن النبي المفهوم الذي أراد إيصاله إلى أصحابه مستخدمًا هذه الوسيلة العجيبة من الوسائل المعينة. إنها وسيلة يراها الناس، ويمرون بها كثيرًا، ولكن النبي أراد أن يستخدمها أداة لتوضيح قيمة الدنيا التي يتهافت الناس، بل ويقتتلون عليها. إن هذا الدرس في تفاهة الدنيا عند الله -جوار الآخرة- لا يمكن أن يمحى من الذهن أو ينسى من الذاكرة، لارتباطه بالجدي الأسك الميت، وبمسلك النبي ، وهو يأخذ بأذنه ويسألهم: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ ويجيبون، ويسألهم حتى يقرر لهم الحقيقة المرادة في النهاية: والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ) (1 ).
وهكذا نجد -من خلال استعراض الأحاديث النبوية الشريفة السابقة - أن النبي قد استخدم عددًا كبيرًا ومتنوعًا من الوسائل التعليمية المناسبة، في مواقف تعليمية عديدة ومتنوعة، بما يراعي ظروف الموقف التعليمي، ويساعد على بلوغ الهدف المنشود منه، وبما يفضي إلى بقاء أثر التعلم في نفس الحاضرين، ويراعي الفروق الفردية بينهم، ويجذب انتباه المتعلمين، بشكل يلفت النظر ويثير الإعجاب.
ويعظم إعجابنا إذا تذكرنا أن البيئة في عهده لم تكن لتساعـد عـلى تـوفــيـر الوسائـل التـعـليـمـية، وأن الـرسـول أمـي لا يقرأ ولا يكتب، وأنه لم يكن ليتكلف صنع تلك الوسائل، بل كان يوظف الإمكانات المتاحة في البيئة المحلية، لاستخدام وسائل تعليمية ناجحة، تحقق الغرض، وتخدم العملية التعليمية التربوية. وهي إلى ذلك تشكل ذخيرة تربوية قيمة للمربين المسلمين اليوم، حري بهم دراستها واستيعابها، وأن يتخذوا منها نبراسًا يستنيرون به في جهودهم الرامية إلى تربية أجيال مسلمة قادرة على بناء حضارة إسلامية معاصرة.
عشرون: وسائل تعليم نبوية مصورة:
بعــد استعــراض طائفــة من وسـائــل التعليم التي ورد أن الرسول قد استخدمها في تعليم أصحابه، والتي تضمنتها بعــض أمهاـت كتب الحديث النبوي الشريف، لنــا أن نتــسـاءل: هل يمكن رسم بعض تلك الوسائل، بحيث تكون الفائدة المستنبطة منها أكبر؟
الجواب: نعم، بل إن بعض علماء الحديث قام بالفعل برسم الوسيلة التعليمية التي استخدمها الرسول ، والتي تضمنها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في صحيح البخاري، وأورد لها عددًا من التصورات، وهي ما يمكن أن نطلق عليها: ( لوحة الأمل والأجل ) رقم ( 1 ).
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط النبي خطًا مربعًا وخط خطًا في الوسط خارجًا منه، وخط خططًا -وفي رواية في فتح الباري خطوطًا - صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به -أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا ) (1 ).
وقد أورد الحافظ بن حجر عددًا من الرسوم لهذا الحديث.. فبعد أن شرح ابن حجر ألفاظ الحديث، قال:
والأول المعتمد، وسياق الحديث يتنزل عليه، فالإشارة بقوله: ( هذا الإنسان ) إلى النقطة الداخلة.
وبقوله: ( وهذا أجله محيط به ) إلى المربع.
وبقوله: ( وهذا الذي هو خارج أمله ) إلى الخط المستطيل المنفرد.
وبقوله: ( وهذه ) إلى الخطوط، وهي مذكورة على سبيل المثال لا أن المراد انحصارها في عدد معين (1 ).
وأما بدر الدين العيني فقد أورد الرسمين التاليين (2 ):
وقد ورد في كتاب ( الرقائق ) الرسم الآتي (1 ):
وأما كتاب ( الرسول العربي المربي ) فقد تضمن الرسم التالي (1 ):
لوحة الأمل والأجل رقم :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي (غرز بين يديه غرزًا، ثم غرز إلى جنبه آخر، ثم غرز الثالث فأبعده)، ثم قال: هل تدرون ما هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا الإنسان، وهذا أجله، وهذا أمله، يتعاطى الأملَ، والأجلُ يختلجه دون ذلك ) (1 ).
وقد استوحى الفنان خميس سليمان(2 ) من هذا الحديث اللوحة الآتية:
لوحة صراط الله والسبل المتفرقة:
عن ابن مسعــود رضـي الله عنه قـــال: ( خط رسول الله خطًا بيده ) ثم قال: ( هذا سبيل الله مستقيمًا. قال ثم ( خط عن يمينه وشماله )، ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعــو إليه، ثم قرأ: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ( الأنعام:153 ).
جاء رسم في كتاب ( الرسول العربي المربي ) يصور هذا الحديث على النحو التالي(1 ):
لوحة أفضل نساء أهل الجنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( خط رسول الله في الأرض أربعة خطوط )، قال:
( تدرون ما هذا ؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله: أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم ( امرأة فرعون ) ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين ) (1 ).
0 التعليقات:
إرسال تعليق